أواخر القرن التاسع عشر .. كانت الفرق المسرحية المصرية و السورية تعرض مسرحياتها في مختلف المحافظات المصرية و بخاصة الأسكندرية و الصعيد . و ظلت تلك السنة قائمة سنوات طوال حتى حاءت ثورة يوليو المباركة .. و دخل المسرح – شأنه شأن كل شيء – في ركاب السلطة كمنظومة اعلامية تخدم أهدافها و أهداف رجالاتها الأحرار. كانت القاهرة هي محور اهتمام السلطة و بالتالي كان الانتاج المسرحي يتم في القاهرة دون أقاليم مصر .. بل ان المطبوعات المسرحية لم تكن توجد الا في العاصمة . و قد ساعد هذا على هروب الكثير من الموهوبين في مجالات المسرح المختلفة الى القاهرة ليجدوا فرصتهم في الظهور و الانتشار . و حتى اليوم لايغذي أقاليم مصر بالنشاط المسرحي سوى أنشطة الهيئة العامة لقصورالثقافة .. خلال ادارتي النشر و المسرج. و هنا لابد من التساؤل : ماهي أصول موارد وزارة الثقافة ؟ أهي موارد غير الضرائب و نصيب كل المصريين من موارد الدولة من بترول وقطاع السياحة و هيئة قناة السويس !؟ الموارد اذن موارد المصريين في عموميتهم .. و ليس من حق أحد انفاقها على أبناء القاهرة فقط. و اذا كانت الدولة تنفق كل عام ما يزيد عن عشرة ملايين من الجنيهات على المسرح في القاهرة .. أليس أجدى أن توزع توزيعا حسب عدد السكان على كل محافظة ليكون لها نصيب من النشاط المسرحي.اننا نريد أن ننوه الى ان الشعوب لاتنهض بغير مايغذي الفكر و الوجدان .. و لن تستطيع الدولة محاربة الارهاب بغير التنويرالحقيقي لا الزائف الدي تصرف فيه ملايين اخرى من أموال الشعب . ان حصول القاهرة وحدها على كل الأنصبة من الانتاج المسرحي في مصر لهو أسهل الأساليب لمحاربةخطط التنويرالتي تقوم بها الدولة . على سبيل المثال ..تقوم هيئة المسرح في القاهرة بانتاج عروضها بضعة أيام في العام .. بالرغم من امكانية تجول تلك العروض في المحافظات المختلفة لكي ينعم بها مصريون آخرون يمثلون غالبية الشعب المصري. و أتمنى أن يخصص الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء تخصيصا ماليا لكل محافظة للنشاط المسرحي.. حتى ينعم أبناؤنا بمال دولتهم بدلا من أن يكون الاهتمام كله منصبا على أبناء القاهرة . كما أتمنى من الوزير الفنان فاروق حسني اهتماما أكثر بهيئة المسرح التي تحتاج الكثير من الجهد لتكون أداة فاعلة في وزارة الثقافة .. اذ لم تقم هيئة المسرح يوما بعمل استبيان علمي يتم من خلاله جمع المعلومات حول جمهور المسرح الحقيقي في القاهرة من حيث أعمارهم و أعمالهم و مستواهم الثقافي و احتياجاتهم الحقيقية .. اذ ليس من عاقل من يقول ان هيئة المسرح وجدت لتنافس فرق القطاع الخاص .أ ليس من العدل أن تستخدم الدولة أموال شعبها لتستثمره في عمل ثقافي يمكن أن يساعد – أكثر من دوائر كثيرة – في بناء الانسان المصري فكرا و وجدانا .و كما يقول أحد كتاب المسرحي الاغريقي : اعطني خبزا و مسرحا أصنع لك شعبا.

 د/ عصام الدين ابو العلا