لم
يكن المسرح يوما من الأيام حكرا على طبقة الخاصة في كافة الأمم التي عرفت
هذا الفن ؛ ففي الثقافة الاغريقية التي أنشأت هذا الفن و أوجدته في العالم
الغربي . كان المسرح الاغريقي عبارة عن منحدر تل , تم نحت المقاعد فيه على
شكل نصف الدائرة , و في سفح التل كانت تقع مساحة للأوركسترا تقابلها خشبة
التمثيل التي ترتفع قليلا عن سطح الأرض . كانت الصفوف الأولى مخصصة لعلية
القوم مقاعدها وثيرة , أما المقاعد التي تتلوها فقد خصصت لمن هم أقل قيمة
في المجتمع الأرستقراطي و مقاعدها خشبية فقط , بينما تقع مقاعد العبيد في
أعلى السفح و هي عبارة عن مقاعد حجرية .
ونلاحظ مما سبق أن هناك
تفاوتا في طبيعة المقاعد من حيث نعومتها و خشونتها في مجتمع أرستقراطي مثل
المجتمع الاغريقي , لكن شيئا واحدا يجمع بينهم جميعا , ألا وهو أن من حق
الجميع - سادة و عبيد - مشاهدة المسرحيات التي يقوم بانتاجها احد أثرياء
المقاطعة أو المدينة , دون أن تكون هناك أعباء على ميزانية الدولة .
كانت تلك المسرحيات تقدم في صورة مسابقة تنتهي بتقييم كامل لأحسن العناصر من مؤلف أو مخرج أو موسيقي أو ممثل .
هذه التجربة الأثينية يمكن
أن نطبقها في مصر اليوم , خاصة أن أغلب الدول الأوروبية تقوم عروضها
المسرحية على نفس الوتيرة , تخفف العبء على الدولة و تقوم بالممارسة
المسرحية بحرية و تقيم النشاط المسرحي أولا بأول , فتشجع العروض و العناصر
المسرحية المتميزة التي تستحق حصد الجوائز .
و اليوم , و في ظل
الاقتصاد الحر الذي تسعى اليه الدولة بتطبيقه على كافة القطاعات , فانه
يمكننا الاستفادة بكبريات الشركات الخاصة في اقامة المهرجانات المسرحية
المتميزة و فتح باب المسرح لكل المصريين مجانا , ليصبح المسرح في مصر
عنوانا حضاريا يخاطب المصريين بعيدا عن أكروبات المصالح الشخصية التي
يستغلها كبار صغار الموظفين في قطاع المسرح في الدولة .
كما يمكن الافادة من وجود
الفضائيات في انتاج المسرح الجاد على خشبات المسرح الحكومي بشرط مراجعتها
و اشتراط جعل الدخول مجانيا لجمهورنا المصري . لنؤكد شعارنا الجديد :
المسرح للشعب , من خلال واقع عملي ملموس .
ان أصحاب رؤوس الأموال من
المصريين لن يعارضوا فكرة المشاركة في بناء مجتمعهم بناء فكريا و ذوقيا ,
و لن يبخلوا بمالهم اذا انتجوا المسرحيات فرادى , كل منهم ينتج مسرحية على
نفقته , طالما أنه سيضع اعلانا لمؤسسته على باب المسرح في ليالي عرض
المسرحية التي أنتجها .
المسرح للشعب هو عنوان
يليق بعصر السماوات المفتوحة على المستوى الاعلامي , كما يليق بعصر انشاء
الجامعات الأهلية في كثير من محافظاتنا المصرية ؛ اذ ان عصر الديمقراطية
مرهون بممارستها , و المسرح هو الكرنفال الشعبي الذي يعبر عن حضارة شعب
وديمقراطية دولة .
ان السياسة التي بنيت
عليها هيئة المسرح لم تعد موجودة , كما لم تعد موجودة تلك السياسة التي
ولدت جهازا مثل الثقافة الجماهيرية . و علينا أن نعمم التجربة الأثينية في
الانتاج المسرحي الحر في محافظاتنا المختلفة كما نطبقه في القاهرة , بجذب
رأس المال الوطني لانتاج المسرحيات في مدننا المختلفة , كل في نطاق
المدينة التي يعيش ويدير فيها أعماله , فيصبح المسرح احتفالا شعبيا , و
يكون الدخول فيه بالمجان ليجذب كل فئات الشعب من عمال و فلاحين و طلبة و
موظفين ... الخ .و يكون المسرح مسرحا للشعب وليس مسرحا للخاصة من أبناء
الشعب المصري .
و لتقم لجنة لاختيار
النصوص و لجنة أخرى لتحكيم العروض في نهاية كل مسابقة مسرحية , و يمكن
الافادة من تلك العروض بتصويرها و بيعها للقنوات الفضائية , و المال الذي
تباع به تلك العروض المسرحية يستثمر في بناء المسارح بناء حديثا و توفير
كافة الأجهزة التي تحتاجها المسارح القديمة .
ان اشراف الدولة الكامل
على هذا المشروع يعطي مصداقية و شرعية له , و يجعل بكبار المستثمرين - من
أبناء هذا الوطن - الحق في المساهمة في انشاء عقول مصرية متفتحة , قادرة
على الحوار , و رافضة لأسباب التعصب و كافة أشكال الرجعية , و فن المسرح
قادر على بناء فكر و وجدان الشعوب و رقي احساسها و تربية ذوقها . كما
يساهم المسرح – طوال تاريخه الطويل – في غرس القيم الايجابية في نفوس
أبناء الشعب من مختلف الأعمار , و بث روح الانتماء للوطن .
ان السياسة العامة التي
تحكم العالم اليوم تسعى الى الاقتصاد الحر , كما تسعى الى استثمار كبار
أصحاب رؤوس الأموال في مشاريع عامة , يفيد منها المجتمع ككل . و لم تعد
الدول المتقدمة تقوم بانتاج المسرحيات , و انما توفر التسهيلات و أسباب
الحماية و الرعاية
|