خلال
العصر الذهبي للمسرح الاغريقي , كان حضور المسرح جزءا لا يتجزأ من كيان
المواطن اليوناني ؛ اذ كان تصميم صالة المسرح يتسع للحكام و علية القوم
و المواطنين العاديين , كما يتسع للنساء و العبيد . و في أوروبا اليوم
يدخل المسرح – في البلدان الغنية و الفقيرة على حد السواء – في أجندة
المواطن العادي , كما يدخل في أجندة الوزراء و رؤساء الدول .. و هو أمر
طبيعي ؛ ذلك أن الوعي بقيمة المسرح هو جزء لا يتجزأ من الوعي بالعالم
و بالانسان الذي يحيا فيه . أما في مصر و الدول العربية , فان المسرح
لا يعني عند غالبية المواطنين سوى ما تعرضه محطات الأقمار الصناعية من
المسرحيات المسفة التي لاتهدف لشيء الا استخفاف عقل المواطن و
المؤامرة عليه .
و بالرغم من اهتمامي الشخصي بالمسرح المصري منذ أكثر من ربع القرن
, الا أنني أعلنها صراحة : أنني حرت في أمر سياسة وزارة الثقافة
المصرية ازاء المسرح في بلدنا ؛ اذ تنفق الوزارة ملايين الجنيهات
الغالية على عمل مهرجانات دعائية لم تعد لها وظيفة حقيقية , خاصة أن
أغلب مسارحنا بحاجة - كما تقول تقارير الدفاع المدني – الى هدم و اعادة
بناء من جديد حسب المواصفات العالمية .. اضافة الى تنازل وزارة الثقافة
عن عديد من دور العرض المسرحية و السينمائية – بسهولة غير مسبوقة –
لأفراد يهدمونها و يقيمون على أراضيها الأبراج التجارية و السكنية .
و القائمون على ادارة شأن المسرح
المصري في القطاعين العام و الخاص , يؤكدون على أن المسرح في بلدنا
سلعة للمتعة و الترفيه ؛ و من كان يملك المال يشاهد عروضهما و من كان
حظه قد صرفه الى تربية أولاده ليكونوا مواطنين مصريين صالحين في الغد
القريب , فلا ضرر من عدم مشاهدة العروض المسرحية التي انتجت خصيصا
للقادرين من أبناء ذوي الحظوة أو السواح العرب .
و لقد نبهت مرارا على ضرورة أن تكون هناك سياسة مرسومة بعناية
لادارة المسرح في مصر ؛ سياسة عامة و تفصيلية تخدم المصريين جميعا
فكريا و جماليا ؛ لكي تنمي الفكر المصري و ترقي الذوق المصري ؛ و تنبه
الأطفال و الشباب الى ما يجب التنبيه اليه ؛ و تغرس فيهم الابتعاد عما
يجب الابتعاد عنه .. و هذا كله يضمن أن تكون رسالة المسرح في مصر رسالة
تربوية تساهم فيما تنادي به أجهزة الدولة من نواحي التحذير من أخطار و
غرس روح الانتماء لوطننا الحبيب .
اننا بحاجة الى اعادة النظر في هيكلة المسرح المصري اداريا ؛ اذ
لدينا جزر منعزلة , كل منها يمكن أن تقوم بدور فاعل محدد ؛ لدينا هيئة
المسرح التي باتت مركزا لتحويل السادة المؤهلين للمعاش , كما أن لدينا
المركز القومي للمسرح الذي كان رئيسه يطوف بالكومبيوتر المحمول وفيه
صورة لكل الوثائق الهامة , ثم يستولي عليها عند خروجه على المعاش .. و
من قبل , رأيت أصول أهم الوثائق المسرحية في منزل أحد رؤساء المركز
القومي المسرح السابقين , و حين سألته عن مصدرها قال لي انها اهداء
شخصي من أصحابها .. و تعجبت يومها اذ أن احدى الصور كانت للفنان جورج
أبيض .
استراتيجية المسرح ضرورة ملحة
هذه الأيام .. اننا نريد أن تكون الدولة و مسرحها كيانا واحدا . بفضل
سياسة واعية لرجل مسرح يتم اختياره بشفافية , يتولى هيئة مهيمنة على
كل أنشطة المسرح في مصر .. وتسمى الهيئة العليا للمسرح , و هي تتضمن
هيئة المسرح و مركز المسرح و قطاع الفنون الشعبية , و تتخصص في رسم
السياسات لكل من الأجنحة الثلاثة للمسرح و تهيمن عليها هيمنة تامة ,
توجه مركز المسرح للدراسات الميدانية المطلوبة و تدرس نتائجها , و ترسم
خطة المسرح لهيئة المسرح و لقطاع الفنون الشعبية , ليقوما بتنفيذها على
مدار العام الواحد .
ان عشوائية المسرح الذي نراها اليوم , عيب لايليق بمصر .. مصر
التي تحوي من بين أبنائها رجالا يندر ان نجد مثلهم في أي بلد عربي ..
رجالا مصريين يعملون من أجل مصر و رفعة مصر و بناء المواطن المصري .
د/ عصام الدين
ابو العلا
|