درجت وزارة
الثقافة المصرية - منذ عهد الانفتاح - على اعتبار النشاط المسرحي أحد
الحقوق الواجبة من قبل الحكومة للترفيه عن ذوي الياقات المنشاة من علية
القوم الذين بزغ نجمهم في سماء المجتمع المصري في الآونة الأخيرة , بصرف
النظر عن التاريخ الشخصي لهؤلاء , أو سبل حصولهم على المكانة الاجتماعية
التي يتربعون علىعروشها .
و في هذا
العصر كثرت ألقاب , ماجاءت ثورة يوليو الا لتمحوها وتمحوا كل ما يتعلق بها
من آثار , فنجد البيه و الباشا , و كأننا نعيش أياما قبل الثالث و العشرين
من يوليو عام 1952 .
و الحق أن
كافة الحكومات التي حكمت مصر في الآونة الأخيرة , كانت تفتتح خطتها
بالتأكيد على نصرة الضعفاء الذين يمثلون أغلبية الشعب , و رفع الظلم عنهم
, و تحويل حياتهم الجحيمية الى جنات في ظل هذه الحكومة أو تلك . و لكن
الحقيقة تبدو بالفعل لا بالقول ؛ اذ نجد المزيد من الضرائب , و زيادة
أسعار المواد الغذائية الأساسية , و بيع المزيد من المؤسسات التي يملكها
الشعب تحت مسمى قطاع الاستثمار.
و طالما أن
مرض الباشاوات ينتهي بالسفر للعلاج خارج البلاد , فان مستشفياتنا لاضرورة
من جعلها مستشفيات آدمية تصلح لعلاج البشر , و طالما أنهم لا يأكلون أو
يشربون الا مما تنتجه أفخر المتاجر الأوروبية , فليس من الخطر أن نجد
أسواق الأغذية في مصر فاسدة , ولا نستورد لضعفاء الشعب الا أفسد غذاء و
دواء .
و لأنهم
يرغبون في مشاهدة المسرحيات المسلية بعد مجهود أسبوع كامل من المراوغة و
الحديث عن مستقبل آمن للشعب , فانهم يريدون نوعا خاصا من المسرح , هذا
المسرح هو الذي توفره الحكومة لعظمتهم , فتقوم هيئة المسرح بانتاج
المسرحيات المسلية المليئة بالقفشات و الضحكات و الممثلات الفاتنات .
ان وزارة
الثقافة تستثمر مال الشعب في نوعية خاصة من المسرحيات لم تنتج أصلا من أجل
الشعب , و انما تكرس الجهود جميعها لصالح مزاج أصحاب الياقات المنشاة من
أمراء مصر .لقد أعجبني السيد وزير الثقافة في الرد على أسئلة الصحفيين
المصريين الواعين ؛ اذ يقول لأحدهم ان المسرح التجريبي يجلب فرق الهواة
الأوروبية و يضعهم هنا في مصر في أرقى الفنادق بالاقامة الكاملة و الفسح
السياحية و مترجم خصوصي لكل فرقة من أجل احتكاك شبابنا من الفنانين
بالتجارب الشابة الأوروبية . و أود القول أن شبابنا لايحتاج الى تجارب
مسرحية غير ناضجة تبحث في بلادها عن فرصة عرض , و انما يحتاج شبابنا – ان
أردت الحق – الى فرق حقيقية وليست فرقا تحتاج الى المزيد من الاحتكاك
بالممارسة المسرحية . و بالطبع لن يقوم المسرح التجريبي بتوفير هذه الفرق
المحترفة وذات التجربة المسرحية المتميزة لسبب وجيه ؛ يتلخص في أن الفرق
العالمية المتميزة تشترك كل عام في أهم احتفال مسرحي في العالم في وقت عمل
المهرجان التجريبي و هو مهرجان زيورخ المسرحي الذي يبدأ يوم الواحد
والعشرين من أغسطس كل عام و ينتهي يوم العشرين من سبتمبر . و من عجائب
وزارة الثقافة أن بعض فرق الهواة المصرية تشارك على هامش هذا المهرجان
باسم مصر دون علم المسرحيين المصريين !!!
المسرح يمثل
جزءا من أجندة أي شعب من الشعوب , وليس حكرا على طبقة من الطبقات غير طبقة
الأغلبية , و هنا في مصر نجد العكس تقوم الحكومة بترويج أرخص أنواع
المسرح, خلال وسائل الاعلام المختلفة المرئية و المسموعة .و يتملكني العجب
حين أرى دولا شقيقة دخل المسرح الى أراضيها في وقت قريب , لكنها اليوم قد
تجاوزتنا بكثير على المستويين التقني و الفكري ! و هو أمر بديهي طالما أن
حكوماتهم قد أدركت حقيقة واحدة أن المسرح ينمي الفكر و يرقي الوجدان و
الشعور , و أن المسرح مؤسسة قامت لخدمة الشعب و تنويره .
و يذهب بي ذهني
لروادنا الأفاضل الذين حاربوا من أجل ترسيخ المسرح في مصر بالرغم من
الظروف السياسية و الاجتماعية الصعبة الذين عايشوها , ثم يسرح خيالي ماذا
يحدث لو جاء يوسف بك وهبي لو تسكع في شوارع المحروسة ليلا و شاهد اعلانات
المسرحيات التي يمثلها الأحفاد اليوم في ظل حكومة مصرية خالصة , و دخل
احدى المسرحيات الميري ووجد أرخص العروض التي تقلد المسرح الخاص ؟؟؟ و هو
القائل قبل خمسين عاما أن المسرح للشعب !!!.
|