درجت النقابات المهنية
منذ نشأتها على الوفاء بأساسات وجودها التي تتلخص في حماية المهنة و
رعاية حقوق ابنائها الذين يمتلكون صلاحيات العمل في أي مهنة من المهن ؛
و ينطبق هذا على كافة النقابات المهنية مثل نقابات الأطباء و الصيادلة
والمحامين و الصحفيين والتجاريين ... الخ .
ومنذ أن عرفت مصر فن
التمثيل , لم يكن للممثل أي حقوق , بل كان المجتمع المصري يحرم عليه
الشهادات في المحاكم بكافة أنواعها بزعم أنه مشخصاتي . و مع تطور
المجتمع المصري و دخول أبناء الذوات ضمن العاملين في هذا الفن مثل محمد
تيمور ( مؤلفا ) ابن أحمد تيمور باشا , و يوسف بك وهبي ابن أحد الأعيان
, بدأ الالتفات الى دور الفن التمثيلي في قيادة المجتمع نحو الرقي و
التقدم , من خلال نقد ذلك الفن الساحر لسلبيات المجتمع و عيوبه , و
مكاشفة أبناء المجتمع المصري بحقيقة سلوكياتهم السلبية .
منذ ذلك الوقت أعتبر
الممثل مواطنا شريفا يحترمه المجتمع , بل يتخذه نموذجا يحتذى به في
الحياة العامة . ولما كانت هناك ازمة في انتماء الممثل لمؤسسة تكفل له
حقوقه و تدافع عنه , فقد قامت الدولة – حفاظا على الفن التمثيلي – في
انشاء أول فرقة مسرحية حكومية بعد الأزمة الاقتصادية التي لازمت فترة
الثلاثينات من القرن الماضي , فأنشأت الدولة فرقة المسرح الحديث , و
أعقبها مباشرة انشاء المعهد العالي للفنون المسرحية لترسيخ هذا الفن و
تأسيس أجيالا من الممثلين لديهم القدرات التمثيلية اللازمة لدفع حركة
التمثيل في مصر . و بعدها كان لزاما على الممثلين أن تتوحد ارادتهم في
بوتقة واحدة تجمعهم و تسير مصالحهم وتدافع عن حقوقهم , و من هنا نشأت
نقابة المهن التمثيلية .
لم تكن الحاجة الى
نقابة المهن التمثيلية لامتلاك ( كارنيه ) أو الاستمتاع ب ( نادي ) و
انما كانت الحاجة الى النقابة للدفاع أولا عن المهنة ثم رعاية ابنائها
من الممثلين .
و لقد لاحظنا منذ سنوات
اهتمام مجالس ادارة نقابة المهن التمثيلية بشكليات على حساب الرعاية
الحقيقية لفن التمثيل و حياة الممثلين , ففي الوقت الذي اشترت فيه
نقابة المهن التمثيلية ناديا لها على النيل , تقلصت الرعاية الصحية
لأعضاء النقابة , بل تهاونت النقابة في حماية المهنة من الأغراض
الشخصية لبعض المنتجين أو المخرجين ؛ اذ ظهرت أفواج من العاملين بالفن
التمثيلي من غير الموهوبين أو الدارسين في قسم التمثيل بالمعهد العالي
للفنون المسرحية , و قام ببطولة بعض الأفلام و المسرحيات و المسلسلات
التليفزيونية مطربون و مذيعون , حتى المكوجية لم يسلم فن التمثيل في
مصر من دخولهم قاعات التصوير أو صعودهم خشبات المسارح .
لقد بات لزاما علينا أن
نقف جميعا لحماية الفن التمثيلي و الممثل المصري , طالما أن هناك
مؤسسات كبيرة أنشأتها الدولة و ترعاها من أجل تخريج ممثلا مؤهلا و
مثقفا يستطيع مسايرة التطورات التي حدثت لفن التمثيل على المستوى
العالمي .
لم يعد فن التمثيل
اليوم موهبة بالمعنى الشائع لهذه الكلمة , بل أصبح علما يصوغ الموهبة
صياغة خاصة ليكون قادرا على مواكبة التطورات الدرامية اليوم , و هذا
نفسه ماجعل الأستاذ الفنان زكي طليمات يحارب من أجل انشاء معهد التمثيل
العربي في أربعينات القرن الماضي .
و أعجب من التهاون الذي
أصاب نقابة المهن التمثيلية حيث تقف مكتوفة الأيدي أمام كل مايحدث من
تجاوزات في حق مهنة التمثيل , و تكتفي بمد الأيدي للحصول على أموال
زائدة لتمرر ذلك الفيلم أو ذاك المسلسل أو تلك المسرحية التي يقوم
بالأدوار الرئيسية فيها مصريون أفاضل لاعلاقة لهم بفن التمثيل .
دعونا لا نعجب اذن من
تقهقر الفن التمثيلي المصري في المسابقات الدولية التي تقوم بها مصر .
لقد عاش فنانون من زملائنا وماتوا دون أن يأخذوا فرصتهم في المثيل في
أي فيلم او مسلسل او مسرحية , و الباقي يجلسون في كافتيريا التليفزيون
ينتظرون دورا صغيرا في مسلسل أو فيلم لسد الرمق .
و أخيرا وليس بآخر , لست ممن يصرخون من أجل مصلحة
شخصية , فأنا لا أعمل بالتمثيل و لم أعمل بالاخراج , و لكنني فقط أصرخ
من اجل حماية مهنة كانت مصر هي الرائدة فيها يوما ما على الساحة
العربية , و باتت اليوم تتكبد ملايين الجنيهات من أجل انتاج مسلسلات
تليفزيونية وتقف في نهاية طابور الفائزين في مهرجان الاذاعة و
التليفزيون الدولي , التي تقوم برعايته مصر !!!
سوف تقوم ثورة على أعضاء مجلس ادارة النقابة لسحب
الثقة منهم ؛ و اعادة صياغة أوراق النقابة بما يتلاءم مع حماية مهنة
التمثيل و مصالح الممثل المصري في مصر
|