بعيدا عن حسابات الفوز والخسارة وحصد الجوائز فقد حققت عروض مهرجان الكويت المسرحي الحادي عشر، الذي اختتمت فعالياته قبل أيام، نقلة نوعية في مستواها الفني لم تشهده دوراته السابقة، وقد وضح أن الفرق الأهلية التي شاركت في المهرجان كانت مستعدة جدا، وكان هدفها ليس المشاركة وحسب بل تقديم عروض متميزة تعيد الثقة إلى مستواها ودورها الريادي في النهوض بالحركة المسرحية، ولا شك ان هذا الأمر يصب في مصلحة مهرجان الكويت المسرحي ويعزز من مكانته الرائدة، كما كان من أهداف مشاركة الفرق الأهلية التنافس لنيل الجوائز وهو حق مشروع لها، ومن بين العروض الستة التي قدمت في المهرجان يمكن الإشارة إلى تميز أربعة منها وهي «الجندي المجهول» لفرقة المسرح الشعبي، «مونولوج غربة» لفرقة المسرح الكويتي، «ثورة!!» لفرقة المسرح العربي و«مكبث 2009» لفرقة الجيل الواعي، أما عرضا «كلاكيت» لمسرح الشباب و«مزاد الحب» لفرقة المعهد العالي للفنون المسرحية فلم يكونا في المستوى المطلوب ربما لأن كليهما يعد التجربة الأولى لمؤلفها في الكتابة، مما أوقع النصين في الكثير من الأخطاء، ونتمنى أن يستفيد كلا المؤلفين من تجربته في أعماله المستقبلية.
 إن أي مهرجان فني خاصة في مجال المسرح حيث التنافس والتسابق لتقديم الأفضل وحصد الجوائز يتطلب الاستعداد الأمثل من المشاركين، ومن المهم عدم المغامرة بعروض لمؤلفين ومخرجين يخطون خطواتهم الأولى في مجال المسرح، خاصة في مجال الكتابة والتأليف، إذ لا بد أن يتسلح المؤلف بالثقافة والخبرة والموهبة والمزيد من التجارب، وفي هذه الحالة من الأفضل تقديم نص عالمي أو عربي، وعدم المغامرة بنص ركيك، لأن العرض المسرحي يعتمد في المقام الأول على النص.
 مشاركات
 من بين العروض المسرحية الأربعة التي أشرنا إليها في بداية المقال هناك نص مسرحي واحد لمؤلف محلي هو نص «مونولوج غربة» الذي كتبه فيصل العبيد، وقد استفاد العبيد من تجاربه السابقة في التأليف فقد شارك في أكثر من مهرجان محلي، ونال جائزة التأليف، واستفاد أيضا من العمل مع مخرج واع هو فيصل العميري الذي أعتقد أنه أثرى النص الأصلي بملاحظاته، ورؤيته الفنية وخبرته، والمسرحية قدمتها فرقة المسرح الكويتي وقد رشحها علي عليان مدير مهرجان المسرح الحر في الأردن للمشاركة في الدورة القادمة، وهي تستحق ذلك، كما أن أكثر من متحدث في الندوة الحوارية التي أعقبت العرض طالب بتقديم المسرحية خارج الكويت لأنها عرض راق يقدم الوجه المشرق للحركة المسرحية في الكويت.
 عرض تجريبي
 أما عرض «مكبث 2009» لفرقة الجيل الواعي الذي اقتبسه الدكتور حسين المسلم عن نص «مكبث» لوليام شكسبير فهو صياغة جديدة برؤية معاصرة فيها الكثير من الجهد على مستوى الإعداد، وقد نجح المخرج في تقديم قراءة إخراجية وبذل جهدا كبيرا لتقديم متعة بصرية، وربما هي المرة الأولى منذ سنوات التي يتخلى فيها المسلم عن تجاربه في المسرح الحي، معتمدا على الشكل المعماري المتعارف عليه في خشبة المسرح، وأعتقد أن هذا العرض يصلح للمشاركة في مهرجان القاهرة التجريبي خاصة بعد فوزه بعظم جوائز المهرجان، وأتمنى أن يبادر المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الى احتضان المسرحية وترشيحها للمهرجان المذكور. فهي عرض تجريبي متكامل، وتجربة مهمة لفرقة الجيل الواعي.
 تجربتان متشابهتان
 ربما من عجائب الصدف أن يفتتح مهرجان الكويت المسرحي بعرض مسرحي تدور أحداثه حول عبثية الحروب التي يشنها الطغاة ويختتم المهرجان بمسرحية عن الموضوع نفسه، العرض الأول بعنوان «الجندي المجهول» لفرقة المسرح الشعبي من إخراج هاني النصار، وتأليف الكاتب العراقي علي الزيدي الذي تأثر كثيرا بفكرة مسرحية «ثورة الموتى» التي كتبها آرون شو، وهي المسرحية التي قدمتها فرقة المسرح العربي في ختام المهرجان من إعداد وإخراج عبدالله القلاف، وقد نجح النصار والقلاف بتقديم قراءة إخراجية موفقة، نالت استحسان النقاد والفنانين وإذا كان هاني النصار قد أكد موهبته كمخرج متميز من سنوات، وواصل طريقه الصحيح عبر «الجندي المجهول» فإن عبدالله القلاف يكشف عن موهبته كمخرج في تجربته الإخراجية الأولى، ويؤكد أنه قادر على تقديم رؤية تفسيرية للنص.
 نتمنى من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب دعم وتشجيع هذه التجارب المسرحية التي أشرنا إليها وتقديمها في الملتقيات والمهرجانات داخل الكويت وخارجها خاصة مهرجانات القاهرة الدولي التجريبي وتونس والأردن وسوريا والمغرب كي يتعرف الجمهور العربي على المستوى الحقيقي للمسرح في الكويت. كما نتمنى من الفرق الأخرى ضرورة الاستعداد الجيد قبل المشاركة في أي مهرجان خاصة أننا مقبلون على مهرجان الخرافي للإبداع المسرحي.

موقع جريدة القبس الكويتية عن
كتب :عبدالمحسن الشمري