الفنان الراحل كاظم حيدر (1932) احد ابرز
فنانينا الذين نهضوا بالحركة التشكيلية في العراق منذ الخمسينيات. بعد ان
حصل على ليسانس في الأدب عن دار المعلمين العالية عام 1957 ودبلوم رسم من
معهد الفنون الجميلة في ذات العام؛ مما استوحت أعماله الفنية كل هذه
المؤثرات الأدبية والمسرحية من خلال تلك الدراسة. ان الفنان حيدر بدأ
فنانا أكاديميا في فترة مخاضه الأولى، من خلال تجربته ذات الجذر الواقعي
برؤية إنسانية. فالواقعية الاجتماعية أثرت في مسيرته الفنية الى حد كبير
وخاصة الحياة العامة للإنسان والمجتمع.
ولم يبتعد عنهما في موضوعاته، حتى دخل إطار التقليدية فيما بعد من خلال
دراسته لتجارب الفنانين الاوربيين في فترة الخمسينيات فكل هذه التجارب
جعلت الفنان حيدر يمتلك أداة إبداعية ورؤية فنية حتى خلق مدرسة خاصة به،
كل هذه الأمور جعلته يستزيد في الأخذ مما حفزته وكانت حصيلتها ملحمة
(الشهيد) بروحية جديدة. لقد أنجز كاظم حيدر أعمال تمثل الواقعية التجريدية
التي هي غير الواقعية الإنسانية التي كان ينتمي إليها مع زملائه آنذاك
كفائق حسن ومحمد مهرالدين وسلمان البصري وضياء العزاوي. (أي في جميع
أعماله التجريدية او المأساوية الشخصية ينحو في تركيبها منحى البناء
المسرحي سواء في الخطوط المعتمدة على أبعاد المنظور الوهمية أم في قطع
المساحات الخلفية لمواضعيه الى قطعتين يضع خلالها التكتيلات المتوازنة في
حركة مسرحية صرفة).
هكذا وصفه الفنان الراحل نزار سليم في كتابه الموسوم (الفن العراقي
المعاصر) هذا ما استوحت اعمال الفنان حيدر من خلال دراسته التي ذكرتها
سلفا في المقدمة.
ويؤكد الفنان كاظم (على ان الفنان لا يتوقف عند حد معين من التطور والإبداع وبروحية متدفقة بالعطاء الذي لا ينضب).
وهذا ما أكده الزميل الفنان عادل كامل في احد كتابته عن الفنان حيدر اذ
قال (يبرهن حيدر على حقيقتين متلازمتين هما ان الفنان لابد ان يمتلك أداته
التقنية والحرفية لصياغة أفكاره بشكل متقدم وبروحية جديدة) فمن هذا
المنطلق قدم أعمالا مغايرة لأسلوبه لكنها ذات قيمة تعبيرية عالية وضمن
أطروحاته الجميلة ذات المضمون الإنساني كما في (صورة الموت) التي استلهمها
من الموروث العربي الاسلامي و(ملحمة الشهيد) و(حرب تشرين) وغيرها من
الاعمال ناهيك عن إبداعاته الاخرى في اهتماماته بفن الديكور المسرحي حتى
كرس كل اعماله لهذا الفن لفرقة المسرح الفني الحديث لكون الديكور جزءا من
بناء اللوحة عنده بعد ان درس فنون الرسم والديكور المسرحي والليتوغراف في
الكلية المركزية بلندن التي تخرج فيها عام 1962، فأصبح من أبرز مصممي
الديكورات، وخاصة للمسرحيات الشعبية منها مثلا مسرحية (القربان) و(النخلة
والجيران) للكاتب غائب طعمة فرمان عام 1969 وديكور المفتاح الذي يعتبره
الكاتب ياسين النصير (من الديكورات المهمة في المسرح الذي من خلاله أدخل
الفن زيت اللوحة وجعلها قطعا فنية) ومسرحية (الشريعة) للفنان يوسف العاني
عام 1971، وعمل ديكورا لمسرحيتين هما (الصخرة) للكاتب فؤاد التكرلي
و(الإمبراطور) لجو نزليوجن اونيل. ومسرحية (هملت عرس) إعداد وإخراج الفنان
سامي عبدالحميد. وكذلك عمل تصميما وديكور مسرحيتين (بغداد الأزل) لفرقة
المسرح الفني الحديث وهي من تأليف وإخراج الفنان القدير قاسم محمد
و(البوابة) لفرقة البيت العمالي، حتى أصبح فن الديكور الذي أنجزه الفنان
الراحل حيدر انجازا مهما في مسرحنا العراقي الأصيل فيما بعد.
وكل هذه التجربة الرائدة من المسيرة الفنية والغنية قدمها وأنجزها كاظم
حيدر للإنسان وللمجتمع. لكنه لم يحصل على شهرة واسعة كما حصل عليها زملاؤه
الفنانون، فعندما سئل عن السبب أجاب: (ان ذلك يرتبط بخلقي) ومن ثم قال:
(انا لا أريد ان أضع لنفسي دعاية) وهذا في رأيي يدل على خلق الفنان
الحقيقي. والملتزم بقضاياه الإنسانية بعيدا عن حب الأنا، وحب الذات كما هو
موجود عند بعض الفنانين بالرغم من ان الفنان كاظم حيدر له مشاركات كثيرة
في اغلب المعارض الوطنية التي أقيمت خارج الوطن. كذلك أقام عام 1965 و69
معرضين شخصين في بغداد كما ساهم عام 1958 في معرض المرفوضات مع مجموعة من
الفنانين وكذلك ساهم في معرض جماعة الزاوية وجماعة الرواد ومن ثم أسهم في
عام 1971 بتأسيس جماعة الأكاديميين، وكان آخر ما شغله هو منصب الأمين
العام للتشكيليين العرب عام 1979
| 
