لعل إرهاصات
المسرح العربي بالكويت تعود إلى فترة مبكرة ، حيث تلك المحاولات المسرحية
التي ظهرت بظهور المدارس الحديثة في الكويت ، إذ تذكر الروايات التاريخية
إلى أن أول عرض مسرحي يعود إلى عام 1922م ، في حفل اختتام العام الدراسي
الأول لمدرسة " الأحمدية " .
ثم
تلت تلك المحاولة محاولات أخرى على نفس الصعيد ، إذ أخذت المدارس آنذاك
بعرض تمثيليات مسرحية قصيرة ، ذات طابع تعليمي و ترفيهي بالمقام الأول ،
و لم تكن هناك مسارح بالمعنى المألوف ، إنما كانت تؤدى هذه التمثيليات
القصيرة على ساحات المدارس ، و بحضور رسمي في المناسبات العامة ، كالمولد
النبوي ، و الهجرة النبوية ، و رمضان المبارك ، و غيرها من المناسبات
الدينية و القومية .
إلا
أن هذه المحاولات البسيطة ، و المعدودة ، لم تصل بعد إلى درجة مسرح حقيقي
و فعلي ، بل كانت مجرد محاولات بدائية ، و ارهاصات لمسرح سيوجد بعد حين ،
المهم أن هذه المحاولات أنجبت مهتمين بالمسرح ، و عالم المسرح ، حيث أنه
منذ عام 1939م بدأ يظهر اسم ( حمد عيسى الرجيب ) ، وذلك بعد عرض تمثيلي عن
عمر بن الخطاب ، أقيم على ساحة مدرسة " المباركية" ، إذ قدم دورين خلال
العرض منهما دور فاطمة أخت عمر بن الخطاب.
قام
حمد الرجيب بدور ملموس في بدايات المسرح العربي في الكويت ، فبالإضافة إلى
كونه ممثلا ، فقد عمل مخرجا لكثير من هذه العروض ، التي كان من مميزاتها ،
أنها تمثل التاريخ العربي و الإسلامي .
و
قد كانت آخر عرض يخرجه الرجيب في الكويت ، قبل أن يسافر لمتابعة الدراسة
في مصر ، كان بعنوان ( وفاء ) سنة 1945م ، و قد استفاد خلال تواجده في
القاهرة ، من المعهد العالي لفن التمثيل ، و من أستاذه ( زكي طليمات )، و
الذي سيكون له فيما بعد دور مؤثر في ظهور المسرح العربي في الكويت.
وقد
استغل الرجيب فرصة تواجده بالقاهرة ، و " ببيت الكويت " فكان ينمي مواهبه
المسرحية ، و يطبق ما يدرسه بمعهد التمثيل هناك ، و ذلك بتقديم بعض العروض
التمثيلية ، التي كان يؤديها طلبة بيت الكويت خلال أمسياتهم و حفلات السمر
لديهم.
عاد الرجيب إلى الكويت ، و عين في عدة مناصب ساهم من خلالها في دفع عجلة المسرح العربي في الكويت.
و
رغم كل هذا لا نستطيع القول بوجود مسرح عربي في الكويت ، فكل ما يعرض كان
مجرد تمثيليات بسيطة ، ذات عرض تاريخي في أغلبها ، لكنه و مع ظهور " النشمي " و رفاقه ، بدأت المسألة تأخذ طريقا جديدا.
لقد
بدأ النشمي بمحاولات الاقتراب من الناس عن طريق الارتجال التمثيلي ، و ذلك
منذ أواخر الأربعينات ، حيث قام مع زملائه بعرض مجموعة من التمثيليات
المرتجلة ، سواء على مستوى الحوار أو النص ، أو من ناحية الإخراج ، و كذلك
فقد أدخل العامية في عروضه التمثيلية ، و اصطنع الفكاهة و الهزل خلالها.
و
في عام 1954م تم ميلاد فرقة " الكشاف الوطني " ، و هي أول تجمع مسرحي منظم
في الكويت ، خارج حدود الساحة المدرسية ، و قد عرض النشمي من خلالها عددا
من العروض المسرحية المرتجلة ، التي لا تعتمد على نص مكتوب ، و كانت كلها
بالعامية ، و يقوم الرجال بأدوار النساء فيها ، إذ لم توجد بعد نساء
ممثلات.
وقد
غير النشمي و رفاقه من تسمية فرقتهم فأصبحت تعرف بعد ذلك باسـم " المسرح
الشعبي " و قد كانت هذه الفرقة أهلية إلى أن ضمتها وزارة الشؤون إلى إدارة
المسارح ،فأصبح للفرقة هيكل تنظيمي على قمته النشمي.
و قد حاولت إدارة المسارح أن تلزم الفرقة بالنص المكتوب ، و أن تبعدها عن الارتجال ، مما أدى إلى انسحاب الكثيرين من الفرقة.
في
عام 1958م قام ( زكي طليمات ) بإلقاء محاضرتين عن المسرح ، و ذلك ضمن
الموسم الثقافي الرابع الذي تنظمه الكويت منذ عام 1955م . كانت تلك هي
الزيارة الأولى لزكي إلى الكويت ، و قد قام خلال إقامته القصيرة بالكويت
بإعداد تقرير عن الحركة الفنية و مظاهرها بالكويت ، و وسائل تقدمها ، حيث
قدم من خلال التقرير تصورا شاملا للمسرح و سبل الارتقاء به . وقد سلم
التقرير قبل سفره إلى دياره .
إلا
أنه قد استدعي من جديد ، و ذلك بعد قراءة التقرير ، ليتولى عملية إنشاء
مسرح عربي في الكويت على أسس حديثة ، و ذلك عام 1961م ، و في تلك الفترة
لم يكن هناك سوى المسرح الشعبي على الساحة ، بالإضافة إلى مسارح المدارس ،
لذلك ، و كنوع من التطوير ، تم إشهار فرقة " المسرح العربي "و التي يقودها
زكي طليمات .
وقد
نشر في الصحف إعلان لمن يرغب بالانضمام لهذه الفرقة ، فانضمت مجموعة من
السباب منهم فتاتين كويتيتين ، بالإضافة إلى المشاركات من جنسيات عربية
أخرى .
و
قد قام طليمات بجهود واسعة من أجل إثبات مقدرة المسرح الجديد القائم على
الأسس العلمية و الأكاديمية ، رغم تشكيك البعض في قدرات هذا المسرح و
قائده ، و من هؤلاء المشككون النشمي ذاته ، إذ رأى هذا الأخير بأن المسرح
العربي سيشكل خطرا على مسرحه الارتجالي ، لذلك فقد عارضه بشكل كبير ، و ظل
الأمر كذلك حتى استقال من منصبه في المسرح الشعبي .
في
الوقت نفسه ، كان هناك مسرح ثالث يشق طريقه إلى الوجود ، هو " المسرح
الوطني " ، الذي قام بفضل جهود بعض الشباب ، الذين أرادوا تكوين فرقة
مسرحية جديدة تكون قادرة على الوصول إلى قلوب المتابعين لها ، و من هؤلاء
الشباب كان صقر الرشود ، أحد أعمدة المسرح العربي في الكويت ، الذي ألف
مسرحية ( فتحنا ) ، و هي الفاتحة التي بدأها المسرح الوطني ، ثم بعد ذلك
أشهرت هذه الفرقة الجديدة التي تسمت باسم " مسرح الخليج العربي " ، و قد
تم إشهار الفرقة عام 1963م ، لتكون بذلك ثالث الفرق المسرحية ، الموجودة
في الكويت .
وقد
كانت هذه الفرقة علامة دالة على ظهور مسرح عربي في الكويت ، إذ أن المسرح
بشكله الفني قد ظهر ، و هناك الممثلون و المؤلفون و المخرجون من أبناء
البلد ذاته . وقد حاول ، وبذل شباب هذه الفرق جهدا كبيرا من أجل تثقيف
أنفسهم ثقافة مسرحية راقية ، و برهنوا على قدراتهم الإبداعية ، و كانوا
وسطا بين المسرح العربي و المسرح الشعبي ، اللذان قدما ، أيضا جهدا كبيرا
من أجل أن ينشأ مسرح عربي في الكويت.
و
قد أثمرت هذه الجهود عن ولادة " المعهد العالي للفنون " و الذي تم وضع حجر
أساسه عام 1972م ، و قام باستقبال أول دفعة له عام 1973م.
و قد قسم المعهد إلى ثلاثة أقسام هي :
ـ التمثيل و الإخراج.
ـ النقد و الأدب المسرحي .
ـ الديكور المسرحي .
و قد تخرجت أول دفعة عام 1977م
|