لعل
من الطريف أن بعض المصادر تشير إلى أن المسرح العربي في المغرب كان قد نشأ
فيغير ظل الاستعمار، بمعنى أن بدايات المسرح المغربي كانت عربية الصميم ،
مغربية المنشأ ، و قد يكون هذا الكلام في بعضه صحيح ، إلا أن الحقيقة هي
تأثر بالمسرح الأوروبي الغربي ، و بالشكل المسرحي الغربي ، سيما في ظهور
المسرح بشكله الفني ، إذ أن المسرح بشكله الحالي لم يظهر إلا بتأثير غربي .
و على العموم ، فإن إرهاصات المسرح العربي في المغرب هي تلك الأشكال
الاحتفالية ، التي كانت تقام في المناسبات الخاصة التي منها : " الحلقة "
و " البساط و سلطان الطلبة " و " سيدي الكتفي " ، و رغم أن هذه المظاهر و
الأشكال لا تعد مسرحا إلا أننا يمكن أن نسميها إرهاصات مسرحية .
في المرحلة الأخرى من إرهاصات المسرح العربي في المغرب بدأت تنشأ في ظل
الاستعمار الفرنسي حيث حدث التصادم بين الفكر الغربي و التقليدية العربية
.
و قد جلبت الحاشية المستعمرة معها ما ترفه به عن نفسها ، و كانت العروض
المسرحية التمثيلية في مقدمة هذه الأمور ، حيث نشأ مسرح للمستعمر ، و من
خلاله تعرف المغربي على المسرح بشكله الفني و بدأ يتأثر بالمفاهيم الغربية
للفن لا سيما المسرح .
و بالإضافة إلى رسالة الترفيه التي جاء بها المسرح الفرنسي ، فإن هناك
رسالة ضمنية هامة هي تثبيت و توطين المحتل في البلاد العربية بالمغرب .
المرحلة التالية للمسرح العربي في المغرب ، بعد التأثر الفني بالمسرح
الأوروبي ، هي التأثر بالمسرح المشرقي العربي المتمثل في المسرح العربي في
مصر ، حيث أنه في عام 1933م قدمت إلى المغرب فرقة مسرحية مصرية ، ساعدت
بعروضها على الإسراع في عملية التأسيس للمسرح المغربي ، و قد قامت هذه
الفرقة بعرض لمسرحية ( صلاح الدين الأيوبي ) و عرضت كذلك مسرحية ( روميو و
جولييت ) .
تلا هذه المرحلة مرحلة الاقتباس و التعريب و ظهور الرواد الحقيقيون
المناضلون ضد الاستعمار من أمثال " محمد القري " و " المهدي المنيعي "
اللذين أخذوا من خلال المسرح بمهاجمة المحتل و محاولة التعرض للمجتمع و
إصلاحه ، فهم يخوضون حربا على جبهتين : داخلية و خارجية .
و قد لجأت القوات المحتلة إلى القمع و السلاح لوقف نشاط المسرح المغربي ،
و قد اتضح ذلك مع المسرحي محمد القري ، الذي دفع الثمن غالياً من حياته
فكان بطلا في المسرح الصغير ، و كان بطلا ملحمياً في المسرح الكبير "
الحياة " .
في مرحلة لاحقة من مراحل التطور المسرحي المغربي ـ مرحلة بعد الاحتلال ـ
أي بعد عام 1956م ، بدأ المسرح المغربي مرحلة تأكيد الذات و التأسيس
الحقيقي حيث بدأت التجارب المسرحية تشهد تنوعا كميا و كيفيا ، و محاولات
ساهمت في إنماء مشروع المسرح العربي في المغرب بالرغم من سلطوية النزعة
الاستهلاكية على قطاع كبير من النشاط المسرحي .
و بالإمكان رصد أوجه النشاط المسرحي في المغرب خلال تلك الفترة على الشكل التالي :
ـ مسرح الإذاعة و التلفزيون
ـ مسرح الاحتراف
ـ مسرح الهواة
فأما المسرح الإذاعي و التلفازي فقد بدأ قبيل رحيل المستعمر و ذلك عام
1945م ، إذ قام كل من حميد بن ذكرى و محمد المريني بتقديم عدد من الروايات
" الرشيد و البرامكة " و " طبيبا رغم أنفه " على ميكرفون الإذاعة .
أما المسرح الاحترافي ، فيرتبط بأسماء ثلاثة هي : " الطيب الصديقي " و
" الطيب العلج " و" عبد القادر البدوي " إذ كان لهؤلاء دور ملموس و
كبير في إنماء الحركة الاحترافية في المسرح ، رغم محاولة الدولة لتأطير
المسرح بهدف إنعاشه و تقويته مما جعل هناك
الكثير من العراقيل أمام
هؤلاء الرواد .
و أما مسرح الهواة ، فإنه هو البداية الحقيقية للمسرح العربي في المغرب
حيث أن الاحتراف كانت بدايته هواية اولئك المحترفين .
و قد تأسست عام 1957م ( الجامعة الوطنية لمسرح الهواة ) لتساهم في خلق جو
مسرحي راقٍ ، حيث أنه من ذلك العام أخذت هذه الجامعة بتنظيم مهرجانات
دورية لمسرح الهواة تقدم خلاله التجارب المسرحية لهؤلاء الهواة ، وقد بلغ
عدد هذه المهرجانات حتى عام 1980م ( 21 ) مهرجانا .
|