مثلها
مثل باقي البقاع العربية ، نشأ المسرح فيها ، مارا بمراحل عدة وكثيرة ، و
ذلك منذ أواسط القرن الماضي ، حيث اتصلت تونس كباقي البلاد العربية
بأوروبا ، و عن طريق الأوروبيين عرفت تونس المسرح ، وخاصة بعد وقوعها تحت
الاحتلال الأجنبي عام 1882م
فقد
قامت فرق أجنبية كثيرة منذ عام 1864م في الظهور ، و ذلك بغرض تسلية
الجالية الإيطالية الكشفية ، المكونة من رجال أعمال و تجار ودبلوماسيين ،
بالإضافة إلى رجال مختصين ، و كل ذلك كان في سبيل مشروع ربط العنصر
الأجنبي بالبلاد و توطينه فيها.
كان
المسرح الأجنبي و العروض المقدمة هادفة في مقامها الأول إلى نشر مفهوم
جديد لهذا العنصر الأجنبي القادم يقضي بتقبله على الأرض العربية في تونس ،
و من أجل ذلك فقد كان حضور التونسيين أمرا ملحا من أجل تنفيذ المشروع
الاستعماري .
و بذلك أتيحت الفرصة لأن يتعرف التونسيون على المفهوم المسرحي ، والمسرح .
و
قد أدى هذا إلى بدء ظهور التصور التونسي للمسرح ، حيث قام أبناء البلاد
بتقليد تلك العروض ، و تقديم عروض خاصة بالعرب التونسيين ، رغم كل
العراقيل المادية و الاستعمارية.
كانت
الخطوة الأولى من أجل بروز البداية للمسرح التونسي قد تجلت ، كما ذكرنا ،
في عروض الجاليات الأجنبية القاطنة بالبلاد ، ثم في مرحلة لاحقة بدأ
التونسيون يمارسون العمل المسرحي بصورة بدائية و تقليدية للوافدين من
أوروبا . و تلت هذه المرحلة زيارة جورج الأبيض لتونس ، الذي قام بدور مهم
في إرساء قواعد مسرحية في تونس حيث قام بتأسيس فرقة مسرحية تونسية ، قامت
بتقديم عروض عدة ساهمت في إيجاد مناخ مسرحي عربي ، رغم كثير من الملاحظات
التي لوحظت على هذه العروض .
إلا
أن التجارب المسرحية ذات الطابع التونسي لم تظهر بعد بشكل قوي ، فحتى
تجربة علي بن عياد ، التي تعد أولى التجارب التونسية ، كانت تستنبط
الثقافة الغربية ، و ذلك يعود إلى تشبع بن عياد بالثقافة الغربية .
و يمكن من
خلال هذا السير التاريخي ، استظهار المراحل الزمنية التي مر بها تكون المسرح العربي
في تونس ، حيث شهد عام 1908م وفود الشيخ سليمان قرداحي و فرقته الجوق المصري إلى
تونس متكونة من مجموعة ممثلين و ممثلات ، و قد قاموا بزيارة لمعظم المدن التونسية ،
قدموا خلال زياراتهم هذه مجموعة من العروض المسرحية مثل " عطيل ، شهداء الغرام ،
صلاح الدين " و غيرها
و
في عام 1909م ظهرت خطوات جديدة في إطار المسرح العربي في تونس ، إذ تم
تكوين ائتلاف بين فرقة المرحوم سليمان قرداحي ، و فرقة النجمة . قام هذا
الائتلاف بتقديم أول عرض لهم بعنوان " جوان " ، وبالإضافة إلى بروز هذه
الفرقة ؛ ظهر بجانبها النص المسرحي التونسي ، و كان أول نص هو ( السلطان
بين جدران يلدز ).
في
عام 1910م بدأت العروض المسرحية في تونس بالانتشار ، سواءً في العاصمة و
المدن الكبيرة ، أو في القرى و الأحياء الصغيرة ، ثم سرعان ما تكونت
الفرقة الأهلية ، حيث تم تكوين فرقة باسم " الشهامة " و أخرى بعنوان "
الآداب " ، استطاعتا ـ رغم تعطيل نشاطهما من قبل المحتل ـ أن تقدما عروضا
مسرحية عدة ، و أن تستمرا.
و
قد ظهرت التونسيات كممثلات لأول مرة خلال تلك الفترة ، مما ساعد على نشوء
مسرح حقيقي ، و قد كن أميات في معظمهن ، إلا أنهن تألقن ، كما تألق
الممثلون ، من أمثال : " محمد بورقيبة " و " الحبيب المانع " و"أحمد
بوليمان " و غيرهم آخرون .
في
الفترة من عشرينيات هذا القرن حتى خمسينياته ، بدأ المسرح العربي في تونس
يينع ، حيث تمت بعض المشاريع الفنية ، التي ساهمت في إيجاد مسرح عربي في
تونس . ومن هذه الخطوات المشروعية :
إنشاء المسرح الكاملي على قاعدة من الاحتراف الفني " 1924 ـ 1928م " ليكون نواة لمسرح عربي حقيقي .
ظهور
المسرح السياسي على يد فرقة السعادة " 1924 ـ 1933م " لتحارب الاستبداد
الاستعماري ، و وجود المحتل في البلاد ، و قد نفي "أحمد توفيق المدني "
رئيس الفرقة إلى الجزائر ، بسبب هذا المسرح ، وذلك عام 1925م.
ظهور
المسرح الفكاهي على يد صاحبه " أحمد بوليمان " عبر عدد من الفرق ، ناقدا
اجتماعيا لبعض العادات و التقاليد التونسية البالية ، التي لا تواكبالعصر
و الحضارة.
بالإضافة إلى فرقة المسرح التي دعت إلى إيجاد نص مسرحي محلي الصبغة ، و قامت في سبيل ذلك برصد المكافآت المادية الجزلة.
كان
عام 1953م عاما فاصلا في الحياة المسرحية التونسية ، إذ بدأ
التنظيم المسرحي في الظهور ، و بدأت الفرقة الاحترافية في تقديم عروضها
المسرحية الجادة ، و قد ساعد استقلال تونس ، عام 1956م ، على الاسراع في
ذلك حيث تم إنشاء وزارة معنية بالثقافة ، قامت بعملية الاشراف ، وتولي أمر
هذه الفرق ، و مساعدتها ماديا و معنويا .
و لم يقتصر تشجيع المسرح على القطاع الحكومي ، إذ أن كثيرا من الفرق المسرحية التونسية كانت أهلية ، يشرف عليها القطاع الخاص الأهلي.
و
قد سار المسرح العربي في تونس خطوات محمودة خلال عمره المديد ، استطاع من
خلالها إنجاب العديد من المسرحين التونسيين ، اللذين قدموا للمسرح العربي
في تونس كل خبراتهم و طاقاتهم المادية و المعنوية والفكرية
|